هل يُمنع «الغلاء المصطنع» من دخول «التعاونيات»؟
يعد ارتفاع الأسعار المستمر من منغصات الحياة اليومية للمواطن والمقيم على حد سواء، ويشكل هاجسا وصداعا مزمنا في رؤوس اغلب المستهلكين، وخاصة بعد ان ضرب «تسونامي» غلاء الأسعار «المصطنع» العديد من السلع والخدمات في الأشهر الماضية، عقب قرار الحكومة برفع الدعم عن الديزل والكيروسين.
ومواجهة لتلك الموجة العاتية من ارتفاعات الأسعار، كشف مصدر حكومي مطلع أن هناك رأيا يتردد في اللجنة الفنية التابعة للجنة الوطنية لحماية المستهلك، مفاده أن يتم رفع توصية إلى «اتحاد التعاونيات»، بمنع بضائع الشركات التي قامت برفع أسعارها من دون مبرر من الدخول إلى الجمعيات التعاونية، على ان يتم طرح هذا الاقتراح خلال الاجتماع المقبل للجنة لبحثه إما كتوصية أو كمقترح حتى يمكن تطبيقه كقرار ملزم لكبح جماح حمى غلاء الأسعار حيث قادته بعض الشركات غير الملتزمة بتحذير وزارة التجارة للحفاظ على أسعارها دون تغيير.
وللوقوف على وجهات النظر المختلفة حول ذلك الاقتراح، ومدى امكانية وكيفية تطبيقه على ارض الواقع، رصدت «الأنباء» آراء عدد من المواطنين وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية، الذين أكدوا أن تفعيل مثل هذا الاقتراح سيصب بالدرجة الأولى في مصلحة المستهلك، خاصة في ظل تصيد بعض شركات «الغلاء المصطنع» لأي موقف يتيح لها رفع الأسعار دون وجه حق أو مبرر، مشددين على ضرورة مكافحة تلك الشركات من خلال خلق سوق تنافسية بديلة ومنع احتكارهم لتلك المنتجات، وتفعيل آليات الرقابة ووضع القوانين الصارمة التي تحمي المستهلك، وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، أكد رئيس مجلس إدارة جمعية الأندلس والرقي التعاونية وليد العبطان أن الهدف الرئيسي من تشكيل اللجنة الخاصة بضبط الأسعار والمكونة من«التجارة» و«الشؤون» وغرفة التجارة والصناعة واتحاد الجمعيات التعاونية، مراقبة الأسعار والقضاء على الشركات صاحبة الغلاء المصطنع، مشيرا الى ان التعاونيات ملتزمة بقرارات تلك اللجنة.
وأضاف العبطان: «يجب ان تكون هناك وقفة جادة من قبل اتحاد الجمعيات بعدم الرضوخ لكل زيادة ومقارنة أسعارنا بالدول المجاورة، خاصة أنه من غير المنطقي ان تزيد أسعار بعض السلع في الكويت فقط دون البلاد الأخرى، خاصة ان المصنع الرئيسي واحد»، مقترحا ادخال المواد الاستهلاكية والبهارات والحبوب ضمن لجنة ضبط الأسعار بالاتحاد وعدم ترك التصرف في رفع أسعارها الى الجمعيات التعاونية.
«وواتساب» لضبط الأسعار
وزاد: وفي ظل جود اللجنة المكونة من «التجارة» و«اتحاد التعاونيات»، يظل دور التعاونيات فقط خاصا بمراقبة الأسعار ومقارنتها بالجمعيات والاسواق الموازية، خاصة ان هناك بعض السلع التي لا تشملها قرارات اتحاد الجمعيات مثل المواد الاستهلاكية والاصناف التي تباع بالكيلو غرامات مثل الحبوب والبهارات، مشيرا الى ان التعاونيات لا تعتمد هذه الاصناف الا بعد التأكد من أسعارها في الاسواق المنافسة، مضيفا، استحدثنا «واتساب» خاص بالمساهمين لابلاغنا في حالة وجود ارتفاع بأسعار بعض السلع في جمعيتنا، وتواجده بسعر أقل في جمعية اخرى، موضحا انه في حالة التأكد من ذلك تقوم التعاونية بإنذار الشركة وخفض السعر، في حال تكرر الأمر من نفس الشركة تقوم التعاونية باتخاذ اجراءات قانونية، بالإضافة الى مخاطبة وزارة الشؤون ايضا لمعاقبتها.
جدية القرار
بدوره، أشار عضو مجلس ادارة جمعية الدعية التعاونية عبدالله صفر الى انه في حال منع الشركات والمنتجات ذات الغلاء المصطنع من عرض منتجاتها في الجمعيات التعاونية سنضطر إلى مراجعة تلك الزيادات في أسعارها، خاصة أن الجمعيات التعاونية تمثل 70 %من منافذ البيع في الكويت وليس في صالح أي شركة أن يتم ايقاف بيع منتجاتها في التعاونيات.
أما فيما يتعلق بمدى إمكانية تطبيق ذلك المقترح، قال صفر ان تطبيق مثل هذا القرار منوط بقوة متابعته من قبل اتحاد الجمعيات التعاونية، بالإضافة الى جدية مجالس إدارات الجمعيات في الالتزام به من أجل المصلحة العامة دون الالتفات الى المغريات التي من الممكن أن تقدمها تلك الشركات المتضررة من قرار المنع.
وأوضح انه لضبط أسعار السلع يجب خلق بدائل للسلع الأساسية والتي يحتاجها المستهلك بأسعار أقل وبنفس الجودة، خاصة في ظل توافرها وبكثرة، ولكن لا تجد هذه السلع البديلة فرصة نتيجة احتكار أماكن العرض من قبل الشركات الكبيرة التي تمتلك وكالة توزيع الأصناف التجارية المشهورة، حيث تقوم أغلب هذه الشركات بتأجير مساحات أكثر من حاجتها نظرا لإمكانياتها المادية الكبيرة، لتعرض منتجاتها في الأماكن الخاصة للعرض لتكون الأسواق المركزية بمنزلة مخزن لهذه السلع أيضا، لذا يجب أن نحد من عملية التأجير السنوي لأماكن العرض لكي يتم إدخال أصناف بديلة وبأسعار معقولة وتكون حرية الاختيار للمستهلك، مشيرا الى ان السلع المرتبطة بالأمن الغذائي اغلبها موجودة في التموين، والدولة لم تقصر من هذه الناحية، ولمسنا في الآونة الأخيرة تواجدا ملحوظا وجهدا كبيرا من قبل اللجنة المشتركة في الجمعيات التعاونية، وذلك للتأكد من أسعار السلع ومدى التزام التعاونيات بعدم دخول أصناف لم يتم الموافقة عليها من قبل الاتحاد، بالإضافة إلى اتخاذ القرارات الحازمة تجاه المخالفين.
حماية المستهلك
وفي السياق ذاته أكد حسين العجمي على ان تطبيق هذا الاقتراح سيكون لصالح المستهلك بالدرجة الاولى في حالة اقراره بجدية وحزم، وذلك من خلال تفعيل دور حماية المستهلك بوزارة التجارة وفرض العقوبات المعلنة على جميع الجهات المخالفة، الى جانب عدم سماح اتحاد الجمعيات باعتماد تلك الشركات المصطنعة، مشيرا الى ان ضبط أسعار السلع في التعاونيات لا يتم الا بتشديد الرقابة وعدم السماح للتجار والشركات بخلق زيادة غير مبررة، بالإضافة الى فتح الأبواب للمستثمرين الصغار ودعمهم بهدف إلغاء الاحتكار الذي تفرضه الشركات الكبرى.
وفيما يتعلق بدور أعضاء مجالس الجمعيات التعاونية، أشار الى ضرورة الوقوف في وجه هذا الغلاء المصطنع، خاصة انهم اعضاء منتخبون من قبل المساهمين، ويملكون كافة الصلاحيات بعدم قبول ارتفاع الأسعار المعتمدة من قبل اتحاد الجمعيات التعاونية، موضحا ان رفع الدعم عن الديزل أثر بشكل سلبي على حق المواطن لصالح التجار، خاصة بعد ان قاموا برفع الأسعار بشكل لا يصدق، مشيرا الى ان دور الرقابة الآن هو ضبط أسعار السلع المرتبطة بالأمن الغذائي وذلك بسبب غياب الرقابة النوعية خاصة في القطاع الحيواني والزراعي.
التطبيق السليم
من جهته بين نائب رئيس جمعية الصباحية وفهد الأحمد ورئيس لجنة المشتريات سابقا م.عبدالرزاق الرويلي ان تفعيل مثل هذا الاقتراح يصب في مصلحة المستهلك في حال تطبيقه بشكل سليم، مشيرا الى انه سيؤدي الى انخفاض الأسعار بشكل كبير، خاصة في ظل الغلاء المصطنع دون مبرر واضح من قبل الشركات، مؤكدا على ان التعاونيات هي أكبر سوق لتصريف السلع الغذائية والاستهلاكية ولن تحكمها المزاجية والمصالح الشخصية، مقترحا تفعيل قانون منع الاحتكار على كل السلع وفتح باب الشراء والاستيراد المباشر لتخفيض الأسعار.
وأضح الرويلي ان ارتفاع أسعار الديزل أثر بشكل كبير على ارتفاع الأسعار، خاصة وان التاجر سيحمل زيادة سعر النقل على المستهلك، مطالبا بعمل دراسة على مدى تأثير هذا الرفع في أسعار الديزل على المواطن الذي سيتحمل رفع تلك الأسعار وليس التاجر.
ردع الاحتكار
اما دلال الصانع فشددت على ضرورة إيجاد آلية قابلة للتطبيق على أرض الواقع لضبط الأسعار ومراقبتها، مشيرة الى ان الغلاء ظاهرة عالمية في مختلف بلاد العالم، لافتة الى وجود الكثير من الطرق والآليات التي يمكن من خلالها محاربة هذا الغلاء مثل: تشجيع المنافسة التجارية وتطبيق القوانين واللوائح المتعلقة بحماية المنافسة وتسهيل وتبسيط الإجراءات الحكومية المؤدية إلى ذلك، الى جانب تفعيل الرقابة التي فصلتها القوانين على الأسعار ومنع التلاعب فيها، بالاضافة إلى ترشيد المواطنين ونشر البرامج التوعوية حول الأسعار.
وذكرت الصانع، ان هذا الغلاء المستمر يؤدي بدوره إلى التضخم ويؤثر سلبا في ميزانية الأفراد بحيث يؤدي إلى الارتفاع في المستوى العام للأسعار وانخفاض في القوة الشرائية، مبينة ان الاحتكار من اسباب ارتفاع الأسعار في الكويت.
واوضح بدر الشمري ان الجمعيات التعاونية مطالبة بتوحيد أسعارها من خلال الاتحاد، ومن غير المعقول ان يختلف سعر المنتج الواحد من جمعية الى اخرى، فلو كانت عمليات الشراء عن طريق الاتحاد لربما كانت أرخص من شرائها عبر الجمعيات، متمنيا من اعضاء إدارات الجمعيات عمل لقاءات مع المساهمين والحرص على توفير كافة السلع وبأسعار اقل، وان كانت هناك أي معضلة تواجههم يتوجهون الى مؤسسات الدولة لان من يصمت عن الحق لا يستحق الثناء.
ومن ناحيته قال انور النجدي انه متفائل بتطبيق هذا القانون خاصة وان الحكومة تنتهج الاصلاح ولديها حس اصلاحي وتفكر في مصلحة المواطن، والقانون يحتاج الى حزم وقوة، مستشهدا بقرارات مماثلة صدرت في المملكة العربية السعودية وواجهت شركات الغلاء المصطنع، وفي حالة اكتشاف اي فساد في المنتجات يستخدمون مع التشهير في الصحف اليومية ويتم احتساب سعر الاعلان من الشركة المخالفة، مبينا اننا في الكويت بحاجة الى قوانين تردع وتحد من الفساد في أسعار المواد الاستهلاكية.
ورأى النجدي ان دور الجمعيات يحتاج الى صلاحيات اكثر تمكنها من تعاقد اداراتها مع شركات خارجية وفتح لهم السوق لكسر احتكار بعض المواد الغذائية، مؤكدا ان الأمن الغذائي في الكويت بحالة رائعة فمواد التموين ما زالت توزع وبأسعار بسيطة مما يساهم في تخفيض الأعباء العائلية.
المنتج الوطني
بدورها قالت أمينة مساعد إن أغلب السلع التي تطرأ عليها زيادة في الأسعار يكون سببها قيام بعض التجار بالبحث السريع عن الربح بأي وسيلة حتى لو كانت نتيجته الضرر لذوي الدخل المحدود، واشارت إلى أن بعض الحلول الممكن اتخاذها هي تشجيع ودعم المنتج الوطني والتسويق له وهذا بالتأكيد سيساعد على الحد من رفع الأسعار خصوصا في ظل ارتفاع الأسعار الواضح الذي نشهده حاليا، بالاضافة الى مقاطعة السلع المرتفعة الأسعار، مما يساعد على خفض الأسعار خصوصا في المواد الغذائية المرتبطة بتاريخ الصلاحية حيث لا يجوز تخزينها مدة طويلة.
وفي سياق متصل أكد سالم محمد، على أن تفعيل مثل هذه الحلول سيشكل رادعا قويا أمام كل من تسول له نفسه رفع الأسعار بشكل غير مبرر، مشيدا بالدور الذي تقوم به الجهات المعنية في حماية المستهلك من الاستغلال الفاحش التي تتعمده بعض الشركات في الجمعيات التعاونية، مشيرا الى ان تشجيع المنتجات المحلية والشركات الصغرى في الدخول الى السوق التعاوني هي الحل الأكثر تطبيقا على ارض الواقع لمحاربة ذلك الغلاء، خاصة ان الشركات الصغرى ستوفر الكثير من السلع التي ستكون في متناول المستهلك بأرخص الأسعار لفتح ابوابها والتعريف عن نفسها باعتبارها منافس جديد في السوق المحلي.
وعي المستهلك
أما لطيفة يوسف فشددت على اهمية دور المستهلك في محاربة غلاء الأسعار في الامتناع عن الشراء واللجوء إلى السلع البديلة، قائلة «ان ارتفاع الأسعار واقع نعيشه والحل في يد الحكومة بدعم السلع الضرورية ومنع السلع الباهظة الثمن او عمل لجنة تقيم الأسعار وتمنع التلاعب بالأسعار وتفعيل القوانين للقضاء على الاحتكار لتحقيق مزيد من المنافسة».